وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
وُلِدْتُ بِغَزَّةَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَحُمِلْتُ إِلَى مَكَّةَ ابْنَ سَنَتَيْنِ. (10/11)
قَالَ المُزَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنَ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-! وَكَانَ رُبَّمَا قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَلاَ يَفْضُلُ عَنْ قَبْضَتِهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ المُؤَذِّنُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَلْزَمُ الرَّمْيَ، حَتَّى كَانَ الطَّبِيْبُ يَقُوْلُ لِي: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكَ السِّلُّ مِنْ كَثْرَةِ وُقُوفِكَ فِي الحَرِّ.
قَالَ: وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ العَشَرَةِ تِسْعَةً.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَا تُعْطِينِي لِلْمُعَلِّمِ، وَكَانَ المُعَلِّمُ قَدْ رَضِيَ مِنِّي أَنْ أَقُوْمَ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا غَابَ، وَأُخَفِّفَ عَنْهُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ فِي الأَكتَافِ وَالعِظَامِ، وَكُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى الدِّيْوَانِ، فَأَسْتَوْهِبُ الظُّهُوْرَ، فَأَكْتُبُ فِيْهَا.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
كَانَتْ نَهْمَتِي فِي الرَّمْيِ، وَطَلَبِ العِلْمِ، فَنِلْتُ مِنَ الرَّمْيِ حَتَّى كُنْتُ أُصِيبُ مِنْ عَشْرَةٍ عَشْرَةً، وَسَكَتَ عَنِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: أَنْتَ -وَاللهِ- فِي العِلْمِ أَكْبَرُ مِنْكَ فِي الرَّمْيِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّائِيُّ الأَقْطَعُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
حَفِظْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ.
الأَقْطَعُ: مَجْهُوْلٌ. (10/12)
وَفِي (مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ) لِلآبُرِيِّ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَمَذَانِيَّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ:
وُلِدَ الشَّافِعِيُّ يَوْمَ مَاتَ أَبُو حَنِيْفَةَ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ مَالِكاً وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً - كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَالِي المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَ مَالِكاً، فَقَالَ: اطلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ.
قُلْتُ: أَنَا أَقرَأُ.
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، فَكانَ رُبَّمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ قَدْ مَرَّ: أَعِدْهُ.
فَأُعِيدُهُ حِفْظاً، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ، ثُمَّ سَأَلْتُه عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَنِي، ثُمَّ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ قَاضِياً.
وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَقَمْتُ فِي بُطُوْنِ العَرَبِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، آخُذُ أَشعَارَهَا وَلُغَاتِهَا، وَحَفِظْتُ القُرْآنَ، فَمَا عَلِمْتُ أنَّه مَرَّ بِي حَرْفٌ إِلاَّ وَقَدْ عَلِمْتُ المَعْنَى فِيْهِ وَالمُرَادَ، مَا خَلاَ حَرْفَيْنِ، أَحَدُهُمَا: دَسَّاهَا.
إِسْنَادُهَا فِيْهِ مَجْهُوْلٌ. (10/13)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قرأْتُ القُرْآنَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ قُسْطَنْطِيْنَ.
وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شِبْلٍ، وَأَخْبَرَ شِبْلٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، وَقَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَ مُجَاهِدٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ إِسْمَاعِيْلُ يَقُوْلُ: القُرَانُ اسْمٌ لَيْسَ بِمَهْموزٍ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ (قَرَأْتُ) وَلَوْ أُخِذَ مِنْ (قَرَأْتُ) كَانَ كُلُّ مَا قُرِئَ قُرْآناً، وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِلْقُرَانِ، مِثْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ. (10/14)
الأَصَمُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ، وَقَدْ حَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) ظَاهِراً، فَقُلْتُ: أُرِيْدُ سَمَاعَهُ، قَالَ: اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ.
فَقُلْتُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْمَعَ قِرَاءتِي، فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْكَ، قَرَأْتُ لِنَفْسِي.
أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِرْهَماً، وَقَالَ: إِنِ اشْتَهَيتَ العِلْمَ، فَالْزَمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
كَتَبْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ وِقْرَ بَعِيْرٍ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ، قَالَ لَهُ: لاَ تَحْتَشِمْ.
قَالَ: لَوْ كُنْتَ عِنْدِي مِمَّنْ أَحْشُمُكَ، مَا قَبِلْتُ بِرَّكَ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
حَمَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ حِمْلَ بُخْتِيٍّ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ سَمَاعِي. (10/15)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَى كُتُبِ مُحَمَّدٍ سِتِّيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ تَدَبَّرْتُهَا، فَوَضَعْتُ إِلَى جَنْبِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَدِيْثاً -يَعْنِي: ردَّ عَلَيْهِ-.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
أَخَذْتُ اللُّبَانَ سَنَةً لِلْحِفْظِ، فَأَعْقَبَنِي صَبَّ الدَّمِ سَنَةً.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَتَّى إِنَّه، قَالَ: لَوْ جُمِعَتْ أُمَّةٌ لَوَسِعَهُمْ عَقْلُهُ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، فَإِنَّ الكَامِلَ العَقْلِ لَوْ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ نَحْوُ الرُّبْعِ لَبَانَ عَلَيْهِ نَقْصٌ مَا، وَلَبَقِيَ لَهُ نُظَرَاءُ، فَلَو ذَهَبَ نِصْفُ ذَلِكَ العَقْلِ مِنْهُ، لَظَهَرَ عَلَيْهِ النَّقْصُ، فَكَيْفَ بِهِ لَوْ ذَهَبَ ثُلُثَا عَقْلِهِ! فَلَو أَنَّكَ أَخَذْتَ عقولَ ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ مَثَلاً، وَصَيَّرْتَهَا عقلَ وَاحِدٍ، لَجَاءَ مِنْهُ كَامِلُ العَقْلِ وَزيَادَةٍ.
جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ، سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ الزَّنْجيَّ يَقُوْلُ لِلشَّافِعِيِّ: أَفْتِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَدْ -وَاللهِ- آنَ لَكَ أَنْ تُفْتِي - وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً -. (10/16)