عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ يَقُوْلُ:
لَمْ يُحْفَظْ فِي دَهْرِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ، وَلاَ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَلاَ عُرِفَ بِهِ، مَعَ بُغْضِهِ لأَهْلِ الكَلاَمِ وَالبِدَعِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الخَبَرُ، قَلَّدَهُ، وَخَيْرُ خَصْلَةٍ كَانَتْ فِيْهِ، لَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي الكَلاَمَ، إِنَّمَا هِمَّتُهُ الفِقْهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلِ بنِ الأَزْهَرِ، يَقُوْلُ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى المُزَنِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ هَذَا، بَلْ أَنَهَى عَنْهُ، كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، لَقَدْ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الكَلاَمِ وَالتَّوْحِيْدِ، فَقَالَ: مُحَالٌ أَنْ نَظُنَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الاسْتِنْجَاءَ، وَلَمْ يُعَلِّمْهُمُ التَّوْحِيْدَ، وَالتَّوْحِيْدُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَمَا عُصِمَ بِهِ الدَّمُ وَالمَالُ، حَقِيْقَةُ التَّوْحِيْدِ. (10/27)
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ:
شَهِدْتُ الشَّافِعِيَّ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ بِشْرٌ المَرِيسِيُّ فَقَالَ لبِشْرٍ: أَخْبِرْنِي عَمَّا تَدعُو إِلَيْهِ: أَكتَابٌ نَاطِقٌ، وَفَرْضٌ مُفْتَرَضٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَوَجَدْتَ عَنِ السَّلَفِ البَحْثَ فِيْهِ، وَالسُّؤَالَ؟
فَقَالَ بِشْرٌ: لاَ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَسَعُنَا خِلاَفُهُ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقْرَرْتَ بِنَفْسِكَ عَلَى الخَطَأِ، فَأَيْنَ أَنْتَ عَنِ الكَلاَمِ فِي الفِقْهِ وَالأَخْبَارِ، يُوَالِيْكَ النَّاسُ، وَتَتْرُكُ هَذَا؟
قَالَ: لَنَا نَهْمَةٌ فِيْهِ.
فَلَمَّا خَرَجَ بِشْرٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُفْلِحُ.
أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّبِيْعُ: سَمِعَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا ارتَدَى أَحَدٌ بِالكَلاَمِ، فَأَفْلَحَ. (10/28)
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ: قَالَ المُزَنِيُّ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ: سَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ، قُلْتَ: أخْطَأْتَ، وَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ قُلْتَ: كَفَرْتَ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ سَأَلكَ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَلاَ تُجِبْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ سَأَلَكَ عَنْ دِيَةٍ، فَقُلْتَ: دِرْهَماً، أَوْ دَانَقاً، قَالَ لَكَ: أَخْطَأْتَ، وَإِنْ سَأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَزَلَلْتَ قَالَ لَكَ: كَفَرْتَ.
قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: المِرَاءُ فِي الدِّيْنِ يُقَسِّي القَلْبَ، وَيُورِثُ الضَّغَائِنَ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا رَبِيْعُ! اقبَلْ مِنِّي ثَلاَثَةً: لاَ تَخُوضَنَّ فِي أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ خَصْمَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَداً.
وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالكَلاَمِ، فَإِنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ عَلَى التَّعْطِيلِ.
وَزَادَ المُزَنِيُّ: وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالنُّجُومِ.
وَعَنْ حُسَيْنٍ الكَرَابِيْسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: سَلْ عَنْ هَذَا حَفْصاً الفَرْدَ وَأَصْحَابَهُ أَخْزَاهُمُ اللهُ. (10/29)
الأصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ -يَعْنِي: كُتُبَهُ- عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ، حُكْمُ عُمَرَ فِي صَبِيْغٍ.
الزَّعْفَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْنَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيْدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِم فِي العَشَائِرِ، يُنَادَى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الكَلاَمِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعَرِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَذْهَبِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ تَقْنِيعُ رُؤُوْسِهِم بِالسِّيَاطِ، وَتَشْرِيدُهُمْ فِي البِلاَدِ.
قُلْتُ: لَعَلَّ هَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنِ الإِمَامِ.
الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً عَلَى الغَلَبَةِ إِلاَّ عَلَى الحَقِّ عِنْدِي.
وَالزَّعْفَرَانِيُّ عَنْهُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً إِلاَّ عَلَى النَّصِيحَةِ. (10/30)