الشبهة الثامنة.
يقول الحافظ أسلم : (( إن الأحاديث انتقدت علمياً ما أفقدها صفة التدين ؛ لأن الأمور الدينية لا يدخلها النقد وآراء الرجال ))( ) إلى أن قال : ((الاعتراضات الموجهة للإسلام من غير أهله لا تأتي إلا عن طريق الأحاديث التي أقر المسلمون بصحتها وهي موضوعة الأصل لا صلة لها بالدين ))( ) .
ويؤكد محب الحق هذا المعنى فيقول : (( يجب نبذ تلك الأحاديث التي توصل الإسلام إلى بوتقة الهدف والاتهام ؛ لأن نبي الإسلام بريء منها ))( ) .
الرد:
لا يخفى أن النفيس من كل شيء يُتَغالى في الحصول عليه، وتبذل الأموال والنفوس لاقتنائه ، فللقيمة العالية للحديث النبوي أراد كل صاحب هوى أن يتقوى به ، وتبارت الطوائف في إيجاد سند لها منه حتى تنفق بضاعتها ويسمع قولها .
لكن هل معنى ذلك أن ما راموه تحقق لهم وأنهم ظفروا بمطلوبهم ؟ كلا، فلقد قيض الله للذود عن حياض السنة رجالا اصطنعهم لنفسه، وأمدهم بروح منه ، وأراد إكرامهم وإعلاء درجاتهم بذلك الجهاد، فنقدوا الزيف والبهرج حتى مازوه ، وبقي المحض النقي فحرزوه واحتازوه .
والذي يقول: لا نقبل الحديث؛ لأنه وجه النقد إلى بعض المنسوب إليه.
نقول له : إنك في تعاملك الدنيوي تقبل أشياء يكثر الغش والتزييف فيها وتعدها ضرورية للحياة ، وأنه يمكن تمييز جيدها من رديئها فلا ترفض رفضا كلياً ، ولم يزل الناس يهتدون إلى الجيد منها بوسائل يسخرها الله لهم ، ولم يتكفل الله بحفظها كما تكفل بحفظ الوحي ، فلا تجعل يا منكر السنة الحديث النبوي أدنى مرتبة من هذه المرغوبات الدنيوية .
و (( لا يكاد يدخل الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ ، والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عز وجل بعباده في دنياهم ، فما الظن بعنايته بدينهم ؟ لا بد أن تكون أتم وأبلغ))( ) .