سكنى الجنة :
جاء أمر الله لآدم عليه السلام أن يسكن الجنة هو وزوجه فى ثلاث سور :
الأولى : " البقرة " ، قال سبحانه وتعالى:[ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين] (14) .
الثانية : " الأعراف " قال سبحانه وتعالى :[ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ] (15) .
الثالثة : " طه " قال سبحانه وتعالى:[ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى] (16)(17) .
ولعل أول ما يلاحظه الباحث فى هذه النصوص الثلاثة أن الأمر بالسكنى فى الجنة جاء صريحاً فى آيتى البقرة والأعراف . وخولف ذلك فى سورة طه لأن ما فيها نصح وتحذير لآدم وزوجه من إغواء الشيطان لهما . لأنه لهما عدو . فجاء قوله تعالى :(فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى( دليلاً على تمكنهما من الجنة حيث نهاهما الله أن يخرجهما منها الشيطان .
وفى سورة طه ـ كذلك ـ تفصيل لمظاهر النعيم التى كانا ينعمان بها فى الجنة . ويقابل هذا التفصيل فى البقرة والأعراف الإذن لهما بأن يتمتعا بما شاءا حيث كانا فيها مع زيادة وصف الأكل ب " الرغد " فى سورة البقرة .
كما يلاحظ أن آية البقرة قد صدرت بقوله :[وقلنا يا آدم ] ، أما الأعراف فقد حُذف منها القول وصدرت بالنداء وحده :(ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ] ، كما صدرت آية طه بالقول مسبوقاً بالفاء دون الواو كما فى البقرة :[ فقلنا يا آدم أن هذا عدو لك ولزوجك] .
ولعل السر فى ذلك أن القول فى البقرة عطف على نظيره فى صدر الآية السابقة :[ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ] .
أما فى سورة الأعراف فقد حُذف القول . وبُدىءَ فى خطاب آدم بالنداء لأنه قد سبق عليه قوله تعالى :[ قال اخرج منها مذءوما مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين] (18) . فلو قال بعده : " وقلنا .." لتوهم متوهم أن " قال " فى الآية السابقة ليست من قول الله لإسناده إلى ضمير الغائب وإسناد " قلنا " لضمير المتكلم ، وقد عرفنا حرص القرآن على إسناد القول إلى ضمير المتكلم فى موضع الأمر بالسكنى لآدم وزوجه .
والأظهر هنا أن الواو للاستئناف فى:( ويا آدم اسكن( حتى تظهر المغايرة التامة بين مأمور بالخروج مذءوماً مدحوراً ، ومأمور بالتمكن معززاً مكرماً .
أما العطف فى سورة طه ب " الفاء " :[ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ] فَلِمَا فى " الفاء " من الترتيب والتعقيب . وما تفيده كذلك من معنى السببية . إذ تقدَّم عليها امتناع إبليس عن السجود له .
فأبان العطف ب " الفاء " ترتب نصح الله لآدم على امتناع إبليس عن السجود . وأن ذلك حدث دونما فصل بين الامتناع والنصح ـ هذا من حيث الترتيب والتعقيب ـ أما من حيث السببية فإن كون إبليس ممتنعاً عن السجود لآدم . فذلك سبب فى أنه عدوهما والحقود عليهما .