سبب انتشار مذهب أبي حنيفة و اتِّباع الناس له بخلاف مذهب معاصريه أمثال الأوزاعي وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وهم شيوخ أبي حنيفة وذلك لعدة عوامل نذكر منها ما يلي:
1- أخذ أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ من التابعين و أفتى في زمن التابعين.
2- قيَّض الله تعالى لأبي حنيفة تلاميذ كانوا في الوقت نفسه فطاحل من العلماء وقد دوَّنوا آراءه و فتاويه و اجتهاداته بخلاف باقي الأئمة في عصره. فأبو يوسف دوَّن فقه أبي حنيفة في الكتب و كذا فعل محمد بن الحسن الذي دوَّن كل فقهه والاجتهادات الأخرى حتى التي تراجع عنها، وهناك كتب تُسمّى كتب " ظاهر الرواية " كلها للإمام محمد. وقام كلٌّ من أبي يوسف ومحمد بجمع الأحاديث التي يرويها الإمام في فتاويه كمستندات لفقهه مثل كتاب الآثار و كتب أخرى وأحاديث كثيرة موزَّعة في هذه المدونات. ولقد كانت طريقة أبي حنيفة بالتعليم مبنيةً على السؤال و الإقناع برأي ثم قوله ولكني أرى غير هذا و يعلم أصحابه الفتوى وطريقة التفكير.
وأبو حنيفة هو أول من من رتب مسائل الفقه حسب أبوابها من طهارة وصلاة ... دوَّنها الإمام أبو يوسف -في غالب الأحيان- في سجلات حتى بلغت مسائله المدونة خمسمائة ألف مسالة. انتقل تلامذته الفحول البالغون 730 شيخاً إلى بلادهم خاصة بلاد الأفغان وبخارى و الهند ... فشرَّق فقه الإمام أبي حنيفة وغرَّب وشمأل وجنَّب حتى ليعد علي بن سلطان القاري المتوفى سنة 1014 هجري ثلثي المسلمين في العالم على مذهب الإمام أبي حنيفة.
3- إنَّ الله تعالى شاء أن يكون أبو يوسف قاضياً وأن يتولى القضاء لثلاث من الخلفاء المهدي و الهادي وهارون الرشيد و سُمّيَ بعد ذلك قاضي القضاة وكان وهو حنفي يقضي بمذهب أبي حنيفة وكذلك كان أغلب القضاة الذين كان ينصِّبهم والمدونات التي كانت تُدَوَّن في دار الخلافة كانت تدوَّن على مذهب أبي حنيفة، كل هذا وغيره جعل فقه الإمام أبي حنيفة ينتشر أكثر من فقه من سبقه أمثال الأوزاعي وجعفر الصادق وغيرهم ….
أهم مؤلفاته: تميَّز عصر أبي حنيفة بوجود الفرق المبتدعة المختلفة مثل: الشيعة والمعتزلة والمرجئة والقدرية والجهمية أو المعطلة ... هذه الفِرَق كلها كانت أشبه ما تكون بالحاشية على الجسم الكبير كحاشية في أطراف جسم المجتمع الإسلامي، فكانت هذه الفرق مع قلة أتباعها يبثّون الشُّبَه و تسمَّت كل فرقة بِاسمٍ، فقام علماء المسلمين يردون على هؤلاء المبتدعة. وكان لا بد من أن يسمّوا أنفسهم بِاسم حتى يتبين قول هؤلاء المبتدعة من قول عامة المسلمين، فسمّوا عامة المسلمين أهل السُنَّة والجماعة وهي ما كان عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة والتابعين وهم السواد الأعظم من الأمَّة. وبظهور الأئمة الأربعة، اشرأبَّت أعناق الناس إليهم يأخذون من فقههم وينهلون من علومهم وكانت لهم عبقرية نادرة في الاستنباط مما دعا الناس إلى الإقبال عليهم والأخذ منهم، فجمع هؤلاء الأئمة الناس على منهج أهل السنّة و الجماعة فيما يتعلق بالعقيدة وحذَّروا الناس من البدع ودافعوا عن الإسلام دفاعاً قوياً. وألَّف أبو حنيفة كتاب " الفقه الأكبر " بيَّن فيه عقيدة المسلمين ورد فيه على المبتدعة.
ونُقِلَ أنَّ له مسنداً و لكن المحقق أنَّ هذا المسند من جمع أبي يوسف عن أبي حنيفة سماه
“ الآثار ".